الضرورة و الإكراه من موانع المسؤولية الجنائية

المقالات
الضرورة و الإكراه من موانع المسؤولية الجنائية

تقوم المسؤولية الجنائية على من آتى فعلاً محرماً وهو مدرك لما يفعل وقام بالفعل بإرادته الحرة المطلقة , وبالتالى لا تقع المسؤولية الجنائية فى حالة الضرورة و الإكراه , والتى يمكننا تعريفها بأنها ظرف خارجى ينطوى على تهديد بالخطر يحيق بالشخص ويجبره على الإتيان بفعل مجرم قانوناً حفاظاً على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله , وتشترط فى حالة الضرورة عدم مقدرة المدعى عليه على دفع الخطر إلا بإتيان هذا الفعل المحرم , ومثال ذلك الطبيب الذى تضطره عملية ولادة عسيرة للتضحية بحياة الجنين حفاظاً على حياة الأم , أو من يخرج مسرعاً من مبنى اندلع فيه حريق ليصطدم بغيره ويؤدى إلى ايذائه , أو من يسرق خبزاً لينقذ حياته وقد شارف على الموت جوعاً.
ولنا فى التشريع الإسلامى خير مثال على رفع المسؤولية فى حالة الضرورة و الإكراه , فلقد رفع الله فريضة الصيام عن المريض و المسافر ولم يكلف الفقراء بفريضة الحج , كما أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يقع يد السارق عام المجاعة.      
وقد وردت حالة الضرورة و الإكراه فى قانون العقوبات الإماراتى فى المادة 64 التى قالت :
لا يسأل جنائياً من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله من خطر جسيم على وشك الوقوع ولم يكن لإدارته دخل فى حلوله.
كما لا يسأل جنائياً من ألجىء إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادى أو معنوى .
ويشترط فى الحالتين المنصوص عليهما فى الفقرتين السابقتين ألا يكون فى قدرة مرتكب الجريمة منع الخطر بوسيلة أخرى وأن تكون الجريمة بالقدر الضرورى لدفعه ومتناسبة معه.
فوفقاً للمادة الأنفة الذكر امكننا تحديد شروط وجب توافرها فى الظرف أو الحالة لتكون حالة ضرورة و اكراه وهذه الشروط هى :

- وجود خطر جسيم يحيق بالنفس أو المال :
الخطر الجسيم هو الخطر الذى لا يمكن جبره و اصلاحه كالموت وحالات العجز الدائم و التشوهات , أما الإخطار البسيطة فليست بحالة ضرورة كالجروح و الكدمات و الخساير المادية البسيطة , وبعبارة آخرى فإن الخطر الجسيم هو الخطر الذى لا يمكن معالجة أو إصلاح نتائجه , والمقصود بالتفس هى كل الحقوق المتعلقة بالإنسان كالحياة و الجسد و الحرية و العرض و الشرف و الإعتبار , أما المال فيشمل كل الحقوق المالية ذات القيمة الإقتصادية , والتى تدخل فى دائرة التعامل.
- أن يكون الخطر محدقاً : 
أى أن يكون الخطر واقعاً لا محالة إن لم تتم المسارعة التى تطويقه أو تجنبه أو تجنب نتائجه , ويكون الخطر محدقاً إذا كان على وشك الوقوع أو كان قد بدأ ولكنه لم ينته بعد , ويكون غير محدق إذا كان قد وقع و انتهى أو كان من المتوقع وقوعه مستقبلاً , ففى هذه الحالة هناك فسحة من الوقت تسمح بإتخاذ اللازم لإتقاء الخطر بوسائل أخرى دون اللجوء إلى ارتكاب الجريمة.
- عدم العلم المسبق بالخطر وعدم اتجاه إرادة الجانى إليه :
 لأن الضرورة تتطلب وجود المفاجأة التى تؤثر فى حرية الإختيار , حيث أنها لا تترك لدى المضطر فسحة من الوقت يتدبر فيها أمره فى سبيل الخلاص من الخطر.
أما إذا كان المدعى عليه قد سبب الخطر قصداً, فمعنى ذلك أنه توقع الخطر , ومن المفروض فيه أنه أعد العدة لتجنبه على نحو لا يمس الغير فى أنفسهم أو فى أموالهم , ومثال ذلك من يغرق سفينة قصداً ثم يضطر إنقاذاً لنفسه إلى دفع شخص آخر خارج السفينة , فالحالة هذه لا تعد حالة ضرورة .
- تعذر دفع الخطر بوسيلة أخرى :
لا نكون أمام حالة الضرورة إلا إذا كانت جريمة الضرورة هى الوسيلة الوحيدة للوقاية من الخطر الجسيم , ولم يكن أمام الضطر أى وسيلة أخرى مشروعة أو طريقة أخرى لصد هذا الخطر و توقيه , فإذا كان من الممكن دفع الخطر بالجرح أو الضرب فلا يجوز دفعه بإزهاق الروح.
ومن الأمثلة على دفع الخطر بوسيلة أخرى , طالب الطب الذى يجرى عملية جراحية لمريض وكان بوسعه أن ينقله إلى مستشفى أو إلى طبيب مختص .
- أن يكون الفعل متناسباً مع الخطر : 
لا يجوز للمدعى عليه أن يأتى فعلاً أشد جسامة مما يكفى لدرء الخطر , إذ يخرج ذلك الفعل عن نطاق الضرورة , فمن استطاع دفع الخطر بجريمة ضد المال ويرتكب فى سبيل ذلك جريمة ضد النفس لا يتوفر بالنسبة له شرط التناسب ويسأل عن التجاوز , فربان السفينة الذى كان يستطيع إنقاذ ركاب السفينة عن طريق إلقاء جزء من البضائع ولكنه بدلاً من ذلك يلقى بعض ركابها فى البحر , يسأل عن ذلك , ولا يستفيد من حالة الضرورة.
وبالتالى نكون قد عددنا الشروط الواجب توافرها لنكون أمام حالة ضرورة واكراه و التى تقتضى سقوط المسؤولية الجنائية عن المجرم فى هذه الحالة , ويتضح مما ذكر أن المشرع الإماراتى عمد إلى اسقاط المسؤولية الجنائية عن مجرم الضرورة ولكنه حدد شروطاً محددة لإعتبار الحالة جريمة ضرورة وهنا تتضح عقلانية و موضوعية المشرع الذى اتجه إلى تبيان كل ظروف الجريمة ومدى حرية المدعى عليه فى الإدارة و الإختيار .